تجربة العمل التطوعي في السعودية: رؤية 2030 ونموذج التحول المجتمعي

 

تجربة العمل التطوعي في السعودية: رؤية 2030 ونموذج التحول المجتمعي

يشهد العمل التطوعي في المملكة العربية السعودية تحوّلًا جذريًا في ظل رؤية 2030، التي وضعت من بين أهدافها الرئيسة تعزيز المشاركة المجتمعية، ورفع عدد المتطوعين إلى مليون متطوع سنويًا. هذا التحول يعكس رغبة المملكة في بناء مجتمع حيوي ومتماسك، يشارك أفراده في بناء مستقبل الوطن.


أولًا: العمل التطوعي في الماضي أفق محدود وطابع فردي

1. غياب الهيكلة المؤسسية

لطالما كان العمل التطوعي في السعودية نشاطًا عفويًا، يفتقر إلى التنظيم الرسمي والدعم المؤسسي. كانت المبادرات محدودة في النطاق وتعتمد غالبًا على جهود فردية أو مناسبات موسمية.


2. ضعف ثقافة التطوع

رغم وجود القيم الإسلامية والاجتماعية التي تحث على الخير، إلا أن مفهوم التطوع كممارسة منظمة لم يكن راسخًا في الثقافة المجتمعية العامة.


ثانيًا: رؤية 2030 بوابة التحول المجتمعي

1. أهداف الرؤية لتعزيز التطوع

رؤية السعودية 2030 جعلت من العمل التطوعي ركيزة أساسية في بناء "مجتمع حيوي"، من خلال:

رفع عدد المتطوعين إلى مليون بحلول 2030.

إنشاء قاعدة بيانات وطنية للعمل التطوعي.

تمكين الجهات الحكومية والخاصة من استقطاب وتنظيم المتطوعين.


2. التحول من العمل الخيري إلى العمل المؤسسي

لم يعد التطوع نشاطًا عشوائيًا، بل أصبح جزءًا من استراتيجية وطنية، تندمج فيها القطاعات الثلاثة: الحكومي، الخاص، وغير الربحي.


ثالثًا: نماذج بارزة من التجربة السعودية

1. المنصة الوطنية للعمل التطوعي

أُطلقت المنصة كأداة لربط المتطوعين بالفرص التطوعية المتاحة في جميع أنحاء المملكة. وتقدم خدمات تتعلق بالتسجيل، التوثيق، المتابعة، والتقييم.


2. موسم الحج: تجربة تطوعية فريدة

يوفر موسم الحج نموذجًا متكاملًا للتطوع المنظّم، حيث يشارك الآلاف من المتطوعين في مجالات الإسعاف، الإرشاد، والخدمات اللوجستية، بإدارة دقيقة من الجهات الحكومية.


3. تطوع القطاع الصحي خلال جائحة كورونا

أثبتت الأزمة العالمية أهمية التطوع الطبي، حيث لعب المتطوعون دورًا جوهريًا في مراكز التطعيم، التوعية، والدعم النفسي.


رابعًا: التحديات التي تواجه العمل التطوعي

1. الحاجة إلى التشريعات والتنظيم

رغم وجود تطور كبير، لا تزال بعض الجهات بحاجة إلى أطر قانونية واضحة لحماية حقوق المتطوعين وضمان التزامات الجهات المستضيفة.


2. بناء الوعي المجتمعي

يبقى التحدي الأكبر هو نشر ثقافة التطوع وجعلها جزءًا من السلوك المجتمعي العام، خصوصًا في الفئات العمرية الأصغر.


خامسًا: أثر التطوع على الفرد والمجتمع

1. تمكين الشباب

يمنح التطوع الشباب منصة لبناء المهارات، وتوسيع شبكة العلاقات، وإبراز طاقاتهم في خدمة وطنهم.


2. تعزيز الانتماء الوطني

يساهم العمل التطوعي في تعزيز قيم المواطنة والانتماء، ويُعزز من اللحمة الاجتماعية بين أفراد المجتمع بمختلف خلفياتهم.


خاتمة

أثبتت تجربة العمل التطوعي في المملكة العربية السعودية أنها أكثر من مجرد مساهمة وقتية؛ إنها مشروع وطني يُترجم تطلعات رؤية 2030 نحو مجتمع أكثر وعيًا، وتماسكًا، ومشاركة. ومع استمرار الجهود في البناء والتطوير، يتجه العمل التطوعي في السعودية ليكون نموذجًا يُحتذى في العالم العربي.

تعليقات